فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

سورة عبس:
مكية.
وآيها ثنتان وأربعون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{عبس وتولى أَن جاءه الأعمى}
روي: «أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإِسلام، فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله، وكرر ذلك ولم يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، واستخلفه على المدينة مرتين» وقرئ: {عبس} بالتشديد للمبالغة و{أَن جاءه} علة لـ: {تولى}، أو {عبس} على اختلاف المذهبين، وقرئ: {آأن} بهمزتين وبألف بينهما بمعنى ألئن جاءه الأعمى فعل ذلك، وذكر الأعمى للإِشعار بعذره في الإِقدام على قطع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقوم والدلالة على أنه أحق بالرأفة والرفق، أو لزيادة الإِنكار كأنه قال: تولى لكونه أعمى كالالتفات في قوله: {وَمَا يُدْرِيكَ لعله يزكى} أي: وأي شيء يجعلك دارياً بحاله لعله يتطهر من الآثام بما يتلقف منك. وفيه إيماء بأن إعراضه كان لتزكية غيره.
{أَوْ يذكر فتنفعه الذكرى} أو يتعظ فتنفعه موعظتك، وقيل الضمير في {لعله} للكافر أي أنك طمعت في تزكيه بالإِسلام وتذكره بالموعظة ولذلك أعرضت عن غيره، فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن، وقرأ عاصم {فتنفعه} بالنصب جواباً للعل.
{أَمَّا مَنِ استغنى فَأَنتَ لَهُ تصدى} تتعرض له بالإِقبال عليه وأصله تتصدى، وقرأ ابن كثير ونافع {تصدى} بالإِدغام وقرئ. {تصدى} أي تعرض وتدعى إلى التصدي.
{وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى} وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ} {وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يسعى} يسرع طالباً للخير.
{وَهُوَ يخشى} الله أو أذية الكفار في إتيانك، أو كبوة الطريق لأنه أعمى لا قائد له.
{فَأَنتَ عَنْهُ تلهى} تتشاغل، يقال لها عنه والتهى و{تلهى}، ولعل ذكر التصدق والتلهي للإِشعار بأن العتاب على اهتمام قلبه بالغني وتلهيه عن الفقير، ومثله لا ينبغي له ذلك.
{كَلاَّ} ردع عن المعاتب عليه أو عن معاودة مثله.
{إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}.
{فَمَن شَاء ذَكَرَهُ} حفظه أو اتعظ به والضميران للقرآن، أو العتاب المذكور وتأنيث الأول لتأنيث خبره.
{فَى صُحُفٍ} مثبتة فيها صفة لتذكرة، أو خبر ثان أو خبر لمحذوف.
{مُّكَرَّمَةٍ} عند الله.
{مَّرْفُوعَةٍ} القدر.
{مُّطَهَّرَةٍ} منزهة عن أيدي الشياطين:
{بِأَيْدِى سَفَرَةٍ} كتبة من الملائكة أو الأنبياء ينتسخون الكتب من اللوح أو الوحي، أو سفراء يسفرون بالوحي بين الله تعالى ورسله، أو الأمة جمع سافر من السفر، أو السفارة والتركيب للكشف يقال سفرت المرأة إذا كشفت وجهها.
{كِرَامٍ} أعزاء على الله أو متعطفين على المؤمنين يكلمونهم ويستغفرون لهم.
{بَرَرَةٍ} أتقياء.
{قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ} دعاه عليه بأشنع الدعوات وتعجب من إفراطه في الكفران، وهو مع قصره يدل على سخط عظيم وذم بليغ.
{مِنْ أَىّ شيء خَلَقَهُ} بيان لما أنعم عليه خصوصاً من مبدأ حدوثه، والاستفهام للتحقير ولذلك أجاب عنه بقوله: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} فهيأه لما يصلح له من الأعضاء والأشكال، أو {فَقَدَّرَهُ} أطواراً إلى أن تم خلقته.
{ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح فوهة الرحم وألهمه أن ينتكس، أو ذلل له سبيل الخير والشر ونصب {السبيل} بفعل يفسره الظاهر للمبالغة في التيسير، وتعريفه باللام دون الإِضافة للإِشعار بأنه سبيل عام، وفيه على المعنى الأخير إيماء بأن الدنيا طريق والمقصد غيرها ولذلك عقبه بقوله: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ} وعد الإِماتة والإِقبار في النعم لأن الإِماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية واللذات الخالصة والأمر بالقبر تكرمة وصيانة عن السباع، وفي {إِذَا شَاء} إشعار بأن وقت النشور غير متعين في نفسه، وإنما هو موكول إلى مشيئته تعالى.
{كَلاَّ} ردع للإِنسان بما هو عليه.
{لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} لم يقض بعد من لدن آدم إلى هذه الغاية ما أمره الله بأمره، إذ لا يخلو أحد من تقصير ما.
{فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طعامه} إتباع للنعم الذاتية بالنعم الخارجية.
{أَنَاْ صَبَبْنَا الماء صَبّاً} استئناف مبين لكيفية إحداث الطعام، وقرأ الكوفيون بالفتح على البدل منه بدل الاشتمال.
{ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً} أي بالنبات أو بالكراب، وأسند الشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب.
{فَأَنبَتْنَا فِيهَا حبًّا} كالحنطة والشعير.
{وَعِنَباً وَقَضْباً} يعني الرطبة سميت بمصدر قضبه إذا قطعه لأنها تقضب مرة بعد أخرى.
{وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً} عظاماً وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها، أو لأنها ذات أشجار غلاظ مستعار من وصف الرقاب.
{وفاكهة وَأَبّاً} ومرعى من أب إذا أم لأنه يؤم وينتجع، أو من أب لكذا إذا تهيأ له لأنه متهيء للرعي، أو فاكهة يابسة تؤوب للشتاء.
{متاعا لَّكُمْ ولأنعامكم} فإن الأنواع المذكورة بعضها طعام وبعضها علف.
{فَإِذَا جَاءتِ الصاخة} أي النفخة وصفت بها مجازاً لأن الناس يصخون لها.
{يوم يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ} لاشتغاله بشأنه وعلمه بأنهم لا ينفعونه، أو للحذر من مطالبتهم بما قصر في حقهم وتأخير الأحب فالأحب للمبالغة كأنه قيل: يفر من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه.
{لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ يومئِذٍ شَأْنٌ يغنيه} يكفيه في الاهتمام به، وقرئ: {يعنيه} أي يهمه.
{وُجُوهٌ يومئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} مضيئة من إسفار الصبح.
{ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ} لما ترى من النعيم.
{وَوُجُوهٌ يومئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} غبار وكدورة.
{تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} يَغشاها سواد وظلمة.
{أُوْلَئِكَ هُمُ الكفرة الفجرة} الذين جمعوا إلى الكفر الفجور، فلذلك يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة عبس جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر». اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة عبس:
{عبس وَتولى (1)}
وقرأ الجمهور؛ {عبس} مخففاً، {أن} بهمزة واحدة؛ وزيد بن على: بشد الباء؛ وهو والحسن وأبو عمران الجوني وعيسى: أآن بهمزة ومدة بعدها؛ وبعض القراء: بهمزتين محققتين، والهمزة في هاتين القراءتين للاستفهام، وفيهما يقف على تولى.
والمعنى: ألأن جاءه كاد كذا.
وجاء بضمير الغائب في {عبس وتولى} إجلالاً له عليه الصلاة والسلام، ولطفاً به أن يخاطبه لما في المشافهة بتاء الخطاب مما لا يخفى.
وجاء لفظ {الأعمى} إشعاراً بما يناسب من الرفق به والصغو لما يقصده، ولابن عطية هنا كلام أضربت عنه صفحاً.
والضمير في {لعله} عائد على {الأعمى}، أي يتطهر بما يتلقن من العلم، أو {يذكر}: أي يتعظ، {فتنفعه} ذكراك، أي موعظتك.
والظاهر مصب {يدريك} على جملة الترجي، فالمعنى: لا تدري ما هو مترجى منه من تزك أو تذكر.
وقيل: المعنى وما يطلعك على أمره وعقبى حاله.
ثم ابتدأ القول: {لعله يزكى}: أي تنمو بركته ويتطهر لله.
وقال الزمخشري: وقيل: الضمير في {لعله} للكافر، يعني أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام، أو يذكر فتقربه الذكرى إلى قبول الحق، وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. انتهى.
وهذا قول ينزه عنه حمل القرآن عليه.
وقرأ الجمهور: {أو يذكر} بشد الذال والكاف، وأصله يتذكر فأدغم؛ والأعرج وعاصم في رواية: أو يذكر، بسكون الذال وضم الكاف.
وقرأ الجمهور: {فتنفعه}، برفع العين عطفاً على {أو يذكر}؛ وعاصم في المشهور، والأعرج وأبو حيوة أبي عبلة والزعفراني: بنصبهما.
قال ابن عطية: في جواب التمني، لأن قوله: {أو يذكر} في حكم قوله: {لعله يزكى}. انتهى.
وهذا ليس تمنياً، إنما هو ترج وفرق بين الترجي والتمني.
وقال الزمخشري: وبالنصب جواباً للعل، كقوله: {فأطلع إلى إله موسى} انتهى.
والترجي عند البصريين لا جواب له، فينصب بإضمار أن بعد الفاء.
وأما الكوفيون فيقولون: ينصب في جواب الترجي، وقد تقدم لنا الكلام على ذلك في قوله: {فأطلع إلى إله موسى} في قراءة حفص، ووجهنا مذهب البصريين في نصب المضارع.
{أما من استغنى}: ظاهره من كان ذا ثروة وغنى.
وقال الكلبي: عن الله.
وقيل: عن الإيمان بالله.
قيل: وكونه بمعنى الثروة لا يليق بمنصب النبوة، ويدل على ذلك أنه لو كان من الثروة لكان المقابل: وأما من جاءك فقيراً حقيراً.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والأعرج وعيسى والأعمش وجمهور السبعة: {تصدى} بخف الصاد، وأصله يتصدى فحذف؛ والحرميان: بشدها، أدغم التاء في الصاد؛ وأبو جعفر: {تصدى}، بضم التاء وتخفيف الصاد، أي يصدك حرصك على إسلامه.
يقال: تصدى الرجل وصديته، وهذا المستغنى هو الوليد، أو أمية، أو عتبة وشيبة، أو أمية وجميع المذكورين في سبب النزول، أقوال.
قال القرطبي: وهذا كله غلط من المفسرين، لأنه أمية والوليد كانا بمكة، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما، وماتا كافرين، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر، ولم يقصد قط أمية المدينة، ولا حضر معه مفرداً ولا مع أحد. انتهى.
والغلط من القرطبي، كيف ينفي حضور ابن أم مكتوم معهما؟ وهو وهم منه، وكلهم من قريش، وكان ابن أم مكتوم بها: والسورة كلها مكية بالإجماع.
وكيف يقول: وابن أم مكتوم بالمدينة؟ كان أولاً بمكة، ثم هاجر إلى المدينة، وكانوا جميعهم بمكة حين نزول هذه الآية.
وابن أم مكتوم هو عبد الله بن سرح بن مالك بن ربيعة الفهري، من بني عامر بن لؤي، وأم مكتوم أم أبيه عاتكة، وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها.
{وما عليك ألا يزكى}: تحقير لأمر الكافر وحض على الإعراض عنه وترك الاهتمام به، أي: وأي شيء عليك في كونه لا يفلح ولا يتطهر من دنس الكفر؟ {وأما من جاءك يسعى}: أي يمشي بسرعة في أمر دينه، {وهو يخشى}: أي يخاف الله، أو يخاف الكفار وأذاهم، أو يخاف العثار والسقوط لكونه أعمى، وقد جاء بلا قائد يقوده.
{تلهى}: تشتغل، يقال: لها عن الشيء يلهى، إذا اشتغل عنه.
قيل: وليس من اللهو الذي هو من ذوات الواو. انتهى.
ويمكن أن يكون منه، لأن ما يبنى على فعل من ذوات الواو وتنقلب واوه ياء لكسرة ما قبلها، نحو: شقي يشقى، فإن كان مصدره جاء بالياء، فيكون من مادة غير مادة اللهو.
وقرأ الجمهور: {تلهى}؛ والبزي عن ابن كثير: {عنه} و{تلهى}، بإدغام تاء المضارعة في تاء تفعل؛ وأبو جعفر: بضمها مبنياً للمفعول، أي يشغلك دعاء الكافر للإسلام؛ وطلحة: بتاءين؛ وعنه بتاء واحدة وسكون اللام.
{كلا إنها}: أي سورة القرآن والآيات، {تذكرة}: عظة ينتفع بها.
{فمن شاء ذكره}: أي فمن شاء أن يذكر هذه الموعظة ذكره، أتى بالضمير مذكراً لأن التذكرة هي الذكر، وهي جملة معترضة تتضمن الوعد والوعيد، {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً} واعترضت بين تذكرة وبين صفته، أي تذكرة: كائنة.
{في صحف}.
قيل: اللوح المحفوظ، وقيل: صحف الأولياء المنزلة، وقيل: صحف المسلمين، فيكون إخباراً بمغيب، إذ لم يكتب القرآن في صحف زمان، كونه عليه السلام بمكة ينزل عليه القرآن، مكرمة عند الله، ومرفوعة في السماء السابعة، قاله يحيى بن سلام، أو مرفوعة عن الشبه والتناقض، أو مرفوعة المقدار.
{مطهرة}: أي منزهة عن كل دنس، قاله الحسن.
وقال أيضاً: {مطهرة} من أن تنزل على المشركين.
وقال الزمخشري: منزهة عن أيدي الشياطين، لا تمسها إلا أيدي ملائكة مطهرة.
{سفرة}: كتبة ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ. انتهى.
{بأيدي سفرة}، قال ابن عباس: هم الملائكة لأنهم كتبة.
وقال أيضاً: لأنهم يسفرون بين الله تعالى وأنبيائه.
وقال قتادة: هم القراء، وواحد السفرة سافر.
وقال وهب: هم الصحابة، لأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعليم والعلم.
{قتل الإنسان ما أكفره}.
قيل: نزلت في عتبة بن أبي لهب، غاضب أباه فأسلم، ثم استصلحه أبوه وأعطاه مالاً وجهزه إلى الشام، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كافر برب النجم إذا هوى.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم ابعث عليه كلبك يأكله» فلما انتهى إلى الغاضرة ذكر الدعاء، فجعل لمن معه ألف دينار إن أصبح حياً، فجعلوه وسط الرفقة والمتاع حوله.
فأقبل الأسد إلى الرجال ووثب، فإذا هو فوقه فمزقه، فكان أبوه يندبه ويبكي عليه، وقال: ما قال محمد شيئاً قط إلا كان، والآية، وإن نزلت في مخصوص، فالإنسان يراد به الكافر.
وقتل دعاء عليه، والقتل أعظم شدائد الدنيا.
{ما أكفره}، الظاهر أنه تعجب من إفراط كفره، والتعجب بالنسبة للمخلوقين، إذ هو مستحيل في حق الله تعالى، أي هو ممن يقال فيه ما أكفره.
وقيل: ما استفهام توقيف، أي: أي شيء أكفره؟ أي جعله كافراً، بمعنى لأي شيء يسوغ له أن يكفر.
{من أي شيء خلقه}: استفهام على معنى التقرير على حقارة ما خلق منه.
ثم بين ذلك الشيء الذي خلق منه فقال: {من نطفة خلقه فقدره}: أي فهيأه لما يصلح له.
وقال ابن عباس: أي في بطن أمه، وعنه قدر أعضاءه، وحسناً ودميماً وقصيراً وطويلاً وشقياً وسعيداً.
وقيل: من حال إلى حال، نطفة ثم علقة، إلى أن تم خلقه.
{ثم السبيل يسره}: أي ثم يسر السبيل، أي سهل.
قال ابن عباس وقتادة وأبو صالح والسدي: سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان، وتيسيره له هو هبة العقل.
وقال مجاهد والحسن وعطاء وابن عباس في رواية أبي صالح عنه: السبيل العام اسم الجنس في هدى وضلال، أي يسر قوماً لهذا، كقوله: {إنا هديناه السبيل} الآية، وقوله تعالى: {وهديناه النجدين} وعن ابن عباس: يسره للخروج من بطن أمه.
{ثم أماته فأقبره}: أي جعل له قبراً صيانة لجسده أن يأكله الطير والسباع.
قبره: ذفنه، وأقبره: صيره بحيث يقبر وجعل له قبراً، والقابر: الدافن بيده.
قال الأعشى:
لو أسندت ميتاً إلى قبرها ** عاش ولم ينقل إلى قابر

{ثم إذا شاء أنشره}: أي إذا أراد إنشاره أنشره، والمعنى: إذا بلغ الوقت الذي قد شاءه الله، وهو يوم القيامة.
وفي كتاب اللوامح شعيب بن الحبحاب: {شاء نشره}، بغير همز قبل النون، وهما لغتان في الأحياء؛ وفي كتاب ابن عطية: وقرأ شعيب بن أبي حمزة: {شاء نشره}.
{كلا}: ردع للإنسان عن ما هو فيه من الكفر والطغيان.
{لما يقض}: يفي من أول مدة تكليفه إلى حين إقباره، {ما أمره} به الله تعالى، فالضمير في يقض للإنسان.
وقال ابن فورك: لله تعالى، أي لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان، بل أمره بما لم يقض له.
ولما عدّد تعالى نعمه في نفس الإنسان، ذكر النعم فيما به قوام حياته، وأمره بالنظر إلى طعامه وكيفيات الأحوال التي اعتورت على طعامه حتى صار بصدد أن يطعم.
والظاهر أن الطعام هو المطعوم، وكيف ييسره الله تعالى بهذه الوسائط المذكورة من صب الماء وشق الأرض والإنبات، وهذا قول الجمهور.
وقال أبيّ وابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم: {إلى طعامه}: أي إذا صار رجيعاً ليتأمل عاقبة الدنيا علي أي شيء يتفانى أهلها.
وقرأ الجمهور: {إنا} بكسر الهمزة؛ والأعرج وابن وثاب والأعمش والكوفيون ورويس: {أنا} بفتح الهمزة؛ والحسين بن على رضي الله تعالى عنهما: {أني} بفتح الهمزة مما لا؛ فالكسر على الاستئناف في ذكر تعداد الوصول إلى الطعام، والفتح قالوا على البدل، ورده قوم، لأن الثاني ليس الأول.
قيل: وليس كما ردوا لأن المعنى: فلينظر الإنسان إلى إنعامنا في طعامه، فترتب البدل وصح. انتهى.
كأنهم جعلوه بدل كل من كل، والذي يظهر أنه بدل الاشتمال.
وقراءة أبي ممالا على معنى: فلينظر الإنسان كيف صببنا.
وأسند تعالى الصب والشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب، وصب الماء هو المطر.
والظاهر أن الشق كناية عن شق الفلاح بما جرت العادة أن يشق به.
وقيل: شق الأرض هو بالنبات.
{حبًّا}: يشمل ما يسمى حبًّا من حنطة وشعير وذرة وسلت وعدس وغير ذلك.
{وقضباً}، قال الحسن: العلف، وأهل مكة يسمون القت القضب.
وقيل: الفصفصة، وضعف لأنه داخل في الأب.
وقيل: ما يقضب ليأكله ابن آدم غضاً من النبات، كالبقول والهليون.
وقال ابن عباس: هو الرطب، لأنه يقضب من النخل، ولأنه ذكر العنب قبله.
{غلباً}، قال ابن عباس: غلاظاً، وعنه: طوالاً؛ وعن قتادة وابن زيد: كراماً؛ {وفاكهة}: ما يأكله الناس من ثمر الشجر، كالخوخ والتين؛ {وأباً}: ما تأكله البهائم من العشب.
وقال الضحاك: التبن خاصة.
وقال الكلبي: كل نبات سوى الفاكهة رطبها، والأب: يابسها.
{الصاخة}: اسم من أسماء القيامة يصم نبأها الآذان، تقول العرب: صختهم الصاخة ونابتهم النائبة، أي الداهية.
وقال أبو بكر بن العربي: الصاخة هي التي تورث الصمم، وأنها لمسمعة، وهذا من بديع الفصاحة، كقوله:
أصمهم سرّهم أيام فرقتهم ** فهل سمعتم بسرّ يورث الصمما

وقول الآخر:
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا

ولعمر الله إن صيحة القيامة مسمعه تصم عن الدنيا وتسمع أمور الآخرة. انتهى.
{يوم يفر}: بدل من إذا، وجواب إذا محذوف تقديره: اشتغل كل إنسان بنفسه، يدل عليه: {لكل امرِئ منهم يومئذ شأن يغنيه}، وفراره من شدّة الهول يوم القيامة، كما جاء من قول الرسل: (نفسي نفسي).
وقيل: خوف التبعات، لأن الملابسة تقتضي المطالبة.
يقول الأخ: لم تواسني بمالك، والأبوان قصرت في برنا، والصاحبة أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت، والبنون لم تعلمنا وترشدنا.
وقرأ الجمهور: {يغنيه}: أي عن النظر في شأن الآخر من الإغناء؛ والزهري وابن محيصن وابن أبي عبلة وحميد وابن السميقع: يعنيه بفتح الياء والعين المهملة، من قولهم: عناني الأمر: قصدني.
{مسفرة}: مضيئة، من أسفر الصبح: أضاء، و{ترهقها}: تغشاها، {قترة}: أي غبار.
والأولى ما يغشاه من العبوس عند الهم، والثانية من غبار الأرض.
وقيل: {غبرة}: أي من تراب الأرض، وقترة: سواد كالدخان.
وقال زيد بن أسلم: الغبرة: ما انحطت إلى الأرض، والقترة: ما ارتفعت إلى السماء.
وقرأ الجمهور: {قترة}، بفتح التاء؛ وابن أبي عبلة: بإسكانها. اهـ.